أوّلاً - التعريف: التجمير - لغةً -: التبخير بالطيب، يقال: جمّر أو أجمر ثوبه، أي بخّره بالطيب . و المجمر أو المجمرة: ما يدخّن به الثياب . و قد استعمله الفقهاء في المعنى اللغوي نفسه. ثانياً - الحكم الإجمالي و مواطن البحث: يختلف حكم التجمير باختلاف حالاته و موارده، و هو كما يلي: 1 - تجمير الإنسان نفسه و ثيابه: عقد الحرّ في وسائله باباً بعنوان (استحباب البخور)، و آخر بعنوان (استحباب البخور بالقسط، و المرّ، و اللبان، و العود الهندي...) ، و أورد فيه جملة من الأخبار: منها: حسنة مرازم، قال: دخلت مع أبي الحسن عليه السلام إلى الحمّام، فلمّا خرج إلى المسلخ دعا بمجمرة فتجمّر به ، ثمّ قال: «جمّروا مرازم»، قال: قلت: من أراد أن يأخذ نصيبه يأخذ؟ قال: «نعم» . و منها: صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام - في حديث - قال: «ينبغي للمرء المسلم أن يدخّن ثيابه إذا كان يقدر» . 2 - التجمّر بمجمرة الفضّة: ذهب بعض الفقهاء إلى حرمة استعمال مجمرة الفضّة في التجمير و التطيّب . و دليلهم على هذه الحرمة صدق الآنية على المجمرة، و أنّ التجمير يعدّ استعمالاً عرفاً، فيتناوله النهي عن آنية الذهب و الفضة، كما في خبر محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنّه نهى عن آنية الذهب و الفضة .و التفصيل في محلّه. (انظر: آنية) 3 - التجمير عند الميّت: ورد التجمير عند الميت و ما يرتبط به في بعض الكلمات، و أهمّها ما يلي: أ - حال تغسيله: المشهور كراهة التجمير حال تغسيل الميّت، بل عليه الإجماع . و قد صرّح بعض الفقهاء بعدم وقوفه في الأخبار على ما يدلّ على حكم الدخنة حال التغسيل، لا نفياً و لا إثباتاً . لكن احتجّ له بعض آخر بقول أبي جعفر عليه السلام في رواية أبي حمزة: «لا تُقرِّبوا موتاكم النار - يعني: الدخنة -» على ما فسّر به، المحمول على الكراهة إجماعاً، و هو شامل لحال التغسيل بإطلاقه . (انظر: تغسيل الميّت) ب - تجمير الكفن: المشهور بين الفقهاء كراهة تجمير الكفن و تبخيره بالأشياء الطيّبة، بل ادّعي الإجماع عليه. و قال الشيخ الصدوق: «يجمّر الكفن» مريداً به الاستحباب. و مستند المشهور الأخبار الناهية عن التجمير بضميمة الأخبار الدالّة على جوازه.و مقتضى الجمع الكراهة . فممّا دلّ على النهي ما رواه محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تجمّروا الأكفان، و لا تمسحوا موتاكم بالطيب إلاّ الكافور؛ فإنّ الميّت بمنزلة المحرم» . و ممّا دلّ على الجواز ما رواه عبد اللّه ابن سنان - في الحسن - عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا بأس بدخنة كفن الميّت...» . و استدلّ لقول الشيخ الصدوق بحسن ابن سنان المتقدّم، و بخبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عن أبيه عليهما السلام «أنّه كان يجمّر الميّت بالعود فيه المسك، و ربّما جعل على النعش الحنوط، و ربّما لم يجعله، و كان يكره أن يتبع الميّت بالمجمرة» . و ردّ بوجوب طرح الخبرين أو تأويلهما في مقابل ما دلّ من الأخبار على القول المشهور؛ لذا حملهما الشيخ و جماعة على التقية . بل قيل: ليس في الخبرين ظهور في الاستحباب أصلاً زائداً على أصل الجواز. نعم، في الثاني إيماء إلى الاستحباب، لكنّه ليس بمرتبة يعارض ما دلّ على النهي الصريح في المرجوحية . (انظر: كفن) ج -- اتّباع الجنازة بمجمرة: يكره اتّباع الجنازة بمجمرة ؛ لجملة من الأخبار: منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام قال: «...و أكره أن يتبع بمجمرة» . و منها: خبر السكوني عنه عليه السلام أيضا: «أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم نهى أن يتبع جنازة بمجمرة» . و منها: خبر غياث بن إبراهيم المتقدّم. (انظر: جنازة) 4 - تجمير المساجد: عدّ المحدّث البحراني من آداب المساجد و سننها تجميرها في كلّ سبعة أيّام، معترفاً بأنّ هذا الحكم و إن لم يذكره فقهاؤنا إلاّ أنّه مدلول خبر الراوندي. و مثله ما في دعائم الإسلام حيث جاء فيه: عن الإمام علي عليه السلام قال: «جنّبوا مساجدكم رفع أصواتكم و بيعكم و شراءكم و سلاحكم، و جمّروها في كلّ سبعة أيّام، وضعوا فيها المطاهر» ، مضيفاً بأنّ الفقهاء يكتفون في أدلّة السنن بأمثال هذه الأخبار، بل بما هو أضعف . و علّق العلاّمة المجلسي بعد إيراده خبر الراوندي الذي هو نصّ لما في الدعائم بقوله: «و استحباب التجمير لم أره في غير هذا الخبر و الدعائم، و لا بأس بالعمل به» . هذا بناءً على التسامح في أدلّة السنن، و إلّا فلم يقم دليل يثبت استحباب ذلك. (انظر: مسجد) 5 - التجمير للمحرم: عدّ الفقهاء من محظورات الإحرام الطيب، لكن اختلفوا في أنّ المنع مختصّ ببعض أفراده على ما حصر في بعض الأخبار، أو أنّه يعمّ كلّ ما صدق عليه الطيب عدا ما استثني؟ قولان: ذهب الأكثر بل المشهور إلى الثاني ، و اختار جماعة الأوّل . ثمّ إنّ الأخبار التي حصرت الطيب في أفراد، ذكر العود في بعض منها ، و هو ما يتبخّر به، و خلا منه بعض آخر . و بالجملة، بناءً على حرمة الطيب لمطلق ما يسمّى طيباً عرفاً يكون تجمير البدن أو اللباس أو البيت بما فيه طيب - كالعود و نحوه - محرّماً على المحرم؛ لأنّه طيب عرفاً فتشمله الأدلّة، كما أفتى به بعض الفقهاء . و تمام الكلام محال إلى مظانّه. (انظر: إحرام) 6 - جلوس المحرم عند الكعبة حال تجميرها: جوّز جمع من الفقهاء الجلوس عند الكعبة و هي تجمّر حملاً على الخلوق الذي أجمعوا على استثنائه من الطيب المحظور على المحرم. لكن اختلفوا في جواز الشمّ، فالمحكي عن الشيخ الطوسي حرمته ، و اختاره بعضهم . و حكي عن الشيخ الطوسي أيضا جوازه و عدم حرمته ، و إليه ذهب بعض آخر . و قد احتجّ له بفحوى صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «لا بأس بالريح الطيّبة فيما بين الصفا و المروة من ريح العطّارين، و لا يمسك على أنفه» . فإنّه إذا جاز شمّ الرائحة الطيّبة من العطّارين بين الصفا و المروة فرائحة الكعبة أولى . و تفصيل ذلك كلّه في محلّه. (انظر: إحرام) / (موسوعة الفقه الإسلامي طبقا لمذهب أهل البیت علیهم السلام , ج25 , ص93)