الجمع أولى من الطّرح

الجمع أولى من الطّرح در اصطلاح

قاعدة الجمع مهما أمكن أولى من الطرح
مورد القاعدة هو الدليلان المتقابلان و المراد من الجمع هنا الجمع الدلالي أعني أخذ إحدى الدلالتين و التصرف في الأخرى بحيث يرتفع التنافي بينهما، أو التصرف في كلتا الدلالتين كما ستعرف، و من الإمكان الإمكان العرفي بحيث يساعد عليه نظرهم و يكون عليه عملهم، لا الإمكان العقلي و لو عده العرف غير ممكن، و من الأولوية اللزوم كقولك لأن أكون صادقا أولى من أن أكون كاذبا. فمعنى القاعدة أن الجمع بين دلالة الدليلين فيما أمكن عرفا و ساعد عليه نظرهم لازم فليس المورد داخلا في باب التعارض، و هذه قاعدة مطردة معمول بها بين العقلاء و المتشرعة يسمون هذا النحو من العمل بالجمع الدلالي أيضا و عد الأصوليون من مصاديقها موارد: الأول: ما إذا كان أحد الدليلين نصا و الآخر ظاهرا كالخاص القطعي الدلالة مع العام فإنه يجمع بينهما بأخذ الخاص و تخصيص العام به كما إذا ورد أكرم العلماء و ورد لا يجب إكرام فساقهم، و كالمقيد القطعي مع المطلق كما إذا ورد أعتق رقبة و ورد أيضا لا يجب إعتاق الكافرة فيحمل المطلق على المقيد، و مثل الأمر أو النهي المتعلقين بشيء مع دليل الترخيص كما إذا ورد صم يوم الخميس و ورد أيضا لا بأس بترك الصوم يوم الخميس فيحمل الأمر على الاستحباب، أو ورد لا تشرب العصير العنبي و ورد لا بأس بشربه فيحمل النهي على الكراهة. الثاني: ما إذا كان أحدهما ظاهرا و الآخر أظهر كالعام مع الخاص الظني الدلالة بحيث يكون أظهر من العام كما إذا ورد أكرم العلماء و ورد ينبغي إكرام فساقهم فإن ظهور ينبغي في الاستحباب أقوى من ظهور هيئة أكرم في الوجوب فيقدم عليه و إن كان حمل كلمة ينبغي على الوجوب ممكنا لكنه مرجوح، فالنتيجة استحباب إكرام الفساق و وجوب إكرام العدول، و كذا المطلق الظاهر و المقيد الأظهر منه، و من هذا القبيل ما إذا ورد اغتسل للجمعة و ورد ينبغي غسل الجمعة. الثالث: ما إذا كان الدليلان ظاهرين متساويين و كان المورد بحيث يساعد العرف على جعل كل منهما قرينة على التصرف في الآخر فيجمع بينهما بالتصرف في كليهما كما إذا ورد ثمن العذرة سحت و ورد لا بأس ببيع العذرة، و فرضنا أن العرف يوفقون بينهما بحمل الأول على عذرة غير مأكول اللحم و الثاني على عذرة المأكول. الرابع: ما إذا كان أحدهما حاكما و الآخر محكوما، أو كان أحدهما واردا و الآخر مورودا، نصا كان الحاكم و الوارد أو ظاهرا فراجع عنوان الحكومة و الورود. تنبيهات: الأول: أن الجمع بين الخبرين كما أشرنا إليه على قسمين دلالي و سندي فالدلالي هو ما ذكرنا من مورد قاعدة الجمع و قلنا بأنه أخذ السندين و تأويل الظاهر إلى ما يوافق النص أو الأظهر. و أما السندي فهو راجع إلى السند و معناه أخذ سند و دلالة أحد الخبرين و طرح الآخر رأسا سندا و دلالة، و مورد هذا الجمع ما إذا لم يمكن الجمع العرفي في الدلالة بل يبقى أهل العرف متحيرين في حكمهما، و حينئذ فإن كان في أحدهما رجحان أخذ ذلك تعيينا و طرح الآخر، و إن لم يكن رجحان في البين أخذ أحدهما تخييرا و طرح الآخر رأسا فراجع بحث التعارض و عنوان المرجح، و هذا المورد هو الذي تخيل ابن أبي جمهور جريان قاعدة الجمع فيه، فإذا ورد يجب إكرام العالم و ورد أيضا لا يجب إكرام العالم فعلى مبنى المشهور يؤخذ أحدهما و يعمل به و يطرح الآخر و على القول المنسوب إلى ابن أبي جمهور يؤخذ كلاهما و يحمل أحدهما على العالم العادل و الآخر على العالم الفاسق مثلا، و هذا النحو من الجمع غير منضبط لا شاهد له و يسمى جمعا تبرعيا أيضا. الثاني: كان الكلام إلى هنا في أدلة الأحكام و بيان حال الخبرين المتعارضين، و أما أدلة الموضوعات و تعارض البينات فهي على قسمين: الأول: أن يكون كلام كل من البينتين قابلا للتبعيض في التصديق بأن يصدق في بعض ما أخبر به و يرتب عليه آثار الصدق، و لا يصدق في البعض الآخر. كما إذا قامت بينة على كون جميع الدار لزيد و بينة أخرى على كون جميعها لعمرو، و طريق الجمع بينهما حينئذ أحد أمور: الأول: ترجيح إحداهما بالقرعة. الثاني: التساقط و الرجوع إلى القرعة. الثالث: التساقط و الرجوع إلى قاعدة العدل و الإنصاف فيعطى نصف الدار لزيد و نصفها لعمرو. الرابع: التبعيض في التصديق فتصدق بينة زيد في نصفها و بينة عمرو في نصفها الآخر فيشتركان و هذا ما قواه الشهيد (ره) و مال إليه الشيخ (ره) في رسائله و لا بأس هنا بلزوم المخالفة القطعية للبينتين لمساعدة بناء العقلاء عليها كالسيرة و الرواية. الثاني: أن لا يكون قابلا للتبعيض كما إذا قامت بينة على بنوة طفل لزيد و الأخرى على بنوته لعمرو أو قامت إحداهما على زوجية امرأة لرجل و الأخرى على زوجيتها لرجل آخر و الحكم حينئذ الأخذ بأحد الأمور المذكورة دون الأخير فإن الزوجية و النسب لا يقبلان التبعيض. الثالث: المتعارضان من أدلة الأحكام يتصوران على أقسام ثلاثة: الأول: المتعارضان غير القابلين للتبعيض في التصديق كما إذا أخبر عدل بوجوب الجمعة و عدل آخر بحرمتها. الثاني: المتعارضان القابلان للتبعيض مع كونهما ظاهرين في الدلالة، كما إذا روى عدل عن المعصوم أنه قال أكرم العلماء و روى آخر أنه قال لا تكرمهم. الثالث: المتعارضان القابلان للتبعيض مع كونهما نصين كما إذا روى أحدهما أنه قال يجب إكرام جميع العلماء بلا استثناء، و روى آخر أنه قال يحرم إكرام الجميع بلا استثناء. ثم إن مبنى المشهور كما ذكرنا هو أخذ سند و طرح آخر ترجيحا أو تخييرا في جميع الأمثلة الثلاثة. و لكن قد وقع الخلاف من بعض في المثال الثاني و الثالث، أما الثاني فقد عرفت أن مذهب ابن أبي جمهور فيه هو الجمع الدلالي، بأن يؤخذ السندان و يؤول الظاهران. و أما الثالث فحيث إنهما نصان لا يمكن التأويل في دلالتهما فقد ذهب بعض إلى أخذ السندين و الجمع بين الدلالتين بالتبعيض في التصديق كما ذكرنا في البينتين فيصدق كل واحد من العدلين في بعض ما أخبرا به، و تكون النتيجة حينئذ وجوب إكرام البعض كعدولهم مثلا و حرمة إكرام آخرين كفساقهم، إلا أن هذا النحو من الجمع مع أنه لا تساعد عليه الأدلة، يستلزم المخالفة القطعية في أحكام اللّه تعالى بلا قيام دليل عليه و لا يقاس هذا بتعارض البينتين لما ذكرنا من السيرة العقلائية فيه. / (إصطلاحات الأصول و معظم أبحاثها , ج1 , ص193)
(- الجمع مهما أمكن أولى من الطرح) / (معجم مفردات أصول الفقه المقارن , ج1 , ص218)
الجمع مهما أمكن أولى من الطرح
Combination takes priority over giving up قاعدة تتضمّن أولوية الجمع بين الدليلين قياسا لطرحهما أو طرح أحدهما، و ذلك من خلال الجمع العرفي و العلاجات الواردة تحته. و قد ناقش الاصوليون فيما إذا كانت هذه الأولوية وجوبية أو غير وجوبية، و ما إذا كانت شاملة للجمع التبرّعي أو غير شاملة. / (معجم مفردات أصول الفقه المقارن , ج1 , ص124)
و هي من القواعد المشتهرة بين قدماء الاصوليّين، و قد ادّعى الميرزا حبيب اللّه الرشتي رحمه اللّه - في بدائع الافكار - اجمال المراد من هذه القاعدة، و الذي يظهر من بعض كلمات العلاّمة الحلّي رحمه اللّه انّ المراد من الجمع هو الجمع الدلالي، أمّا ما يظهر من بعض كلمات الشهيد رحمه اللّه في تمهيد القواعد فهو انّ المراد من الجمع هو الجمع العملي، أي التبعيض في العمل بالدليلين. و لكي يتّضح المراد من هذه القاعدة نصنّف البحث الى ثلاثة جهات، و قبل بيان ذلك نقول: انّ مورد القاعدة هل هو الأخبار المتعارضة مطلقا، أي سواء كان التعارض مستقرا و مستحكما أو كان تعارضا بدويا، أو انّ مورد القاعدة هو خصوص التعارض البدوي، كالتعارض بين الاطلاق و التقييد؟ المستظهر من كلمات بعض الأعلام هو الاول و ان مورد القاعدة هو مطلق التعارض، و يترتب على كل من الاحتمالين ثمرات مهمّة تتّصل بفهم القاعدة، و هذا ما سيتّضح من مطاوي الحديث عن الجهات الثلاث التي نرجوا بواسطتها اتّضاح المراد من القاعدة: الجهة الاولى: و يقع البحث فيها عمّا هو المراد من الجمع، و هل هو الجمع الدلالي أو هو الجمع العملي‌؟ و المقصود من الجمع الدلالي أحد احتمالات ثلاثة: الاحتمال الاول: هو التوفيق بين مدلولي الخبرين المتعارضين بتأويل أحدهما أو كلاهما بنحو ينتفي معه التعارض الواقع بينهما بحسب الظهور الاولي قبل الجمع. كما لو ورد «انّ ثمن العذرة سحت» و ورد «انّه لا بأس ببيع العذرة» فنحمل العذرة في الرواية الاولى على عذرة الإنسان و في الرواية الثانية على عذرة الحيوان. الاحتمال الثاني: هو التحفّظ على مدلولي الدليلين و التعبّد بهما معا و لكن بنحو التخيير، إمّا التخيير الاستمراري أو التخيير الابتدائي. الاحتمال الثالث: الجمع بين مدلولي الدليلين بنحو يتناسب مع الضوابط العرفيّة، بمعنى انّه لو ألقينا هذين الدليلين الى العرف لفهم من مجموعهما المعنى الذي حصّلناه من الجمع بينهما، و مثاله حمل الأظهر على الظاهر و المقيّد على المطلق. و أمّا المقصود من الجمع العملي فهو أحد احتمالات. الاحتمال الاول: هو التبعيض العملي للخبرين بمعنى ان نعمل ببعض مدلول الخبر الاول و ببعض مدلول الخبر الثاني. الاحتمال الثاني: تبعيض العمل بمدلول أحد الخبرين مع العمل بتمام مدلول الخبر الآخر، و مثاله المطلق و المقيّد، أمّا المقيّد فنعمل بتمام مدلوله، و أمّا المطلق فنعمل بالمقدار الذي لا يتنافى مع المقيّد. الاحتمال الثالث: التبعيض العملي بنحو الترديد، أي ان نعمل تارة بتمام مدلول الخبر الاول، و نعمل تارة اخرى بتمام مدلول الخبر الثاني. و بملاحظة مجموع احتمالات المراد من الجمع الدلالي و احتمالات المراد من الجمع العملي ينقدح في الذهن احتمال عدم الفرق بينهما، إذ لو كان المراد من الجمع الدلالي هو الاحتمال الثالث و كان المراد من الجمع العملي هو الاحتمال الثاني لكان المراد من الجمعين واحدا و الاختلاف انّما هو في التعبير، بل لو كان المراد من الجمع الدلالي هو الاحتمال الاول و كان المراد من الجمع العملي هو الاحتمال الاول لكان من الممكن القول باتّحاد المراد منهما بأن يقال انّ التوفيق بين مدلولي الخبرين يلازم دائما العمل ببعض مدلول الخبر الاول و ببعض مدلول الخبر الثاني، ففي المثال الذي ذكرناه للاحتمال الاول من الجمع الدلالي عند ما حملنا العذرة في الرواية الاولى على عذرة الإنسان نكون قد عملنا ببعض مدلول الخبر الاول، و هو اجتناب بيع عذرة الإنسان و ان كنا لم نعمل باطلاقه المقتضي لترك بيع مطلق العذرة، و عملنا أيضا ببعض مدلول الخبر الثاني من حيث التزامنا بصحّة بيع عذرة الحيوان، و لو كنّا و اطلاق الرواية الثانية لجاز لنا بيع عذرة الإنسان أيضا. نعم بناء على انّ المراد من الجمع الدلالي هو الاحتمال الثاني و انّ المراد من الجمع العملي هو الاحتمال الثالث أو الثاني أو الاول لكان الفرق بينهما بيّنا، إذ انّ الاحتمال الثالث للجمع العملي يقتضي العمل بكلا الخبرين و لكن بنحو الطوليّة في حين انّ‌ الاحتمال الثاني للجمع الدلالي - بناء على التخيير الابتدائي - لا يصحّ‌ للمكلّف العمل بالخبر الثاني لو اختار أولا العمل بالخبر الاول و هكذا العكس. و أمّا بناء على التخيير الاستمراري فإنّ المكلّف لا يكون معه ملزما بالعمل بالخبر الثاني لو اختار الاول، نعم له ان يعمل بالثاني بعد العمل بالاول إلاّ انّ ذلك غير ملزم و هذا بخلاف الاحتمال الثالث للجمع العملي، نعم لو اخترنا في معنى الأولويّة انّ المراد منها الراجحيّة لكان من الممكن التوفيق بين الاحتمال الثاني للجمع الدلالي - بناء على التخيير الاستمراري - و الاحتمال الثاني للجمع العملي. و بهذا الطريقة يعرف الفرق بين سائر احتمالات الجمعين. الجهة الثانية: و يقع البحث فيها عمّا هو المراد من الإمكان في القاعدة، و هل هو الإمكان العقلي أو هو الإمكان العرفي‌؟ نسب الميرزا الرشتي رحمه اللّه الى كتاب غوالي اللئالي و غيره من الكتب انّ‌ المراد من الإمكان في القاعدة هو الإمكان العقلي ثمّ ادّعى انّ القول بأنّ‌ المراد من الإمكان هو الإمكان العرفي هو من الخلط و الاشتباه، ثمّ أفاد بأن أول من تبنّى القول بأن المراد من الإمكان هو الإمكان العرفي هو الاستاذ الوحيد البهبهاني رحمه اللّه. و كيف كان فالمقصود من الإمكان العقلي هو الإمكان الوقوعي، و هو الذي لا يلزم من فرض وقوعه محال، أي انّ وجوده لو اتّفق لا يكون مستلزما لأحد المحاذير العقليّة كاجتماع النقيضين. و بناء على هذا المعنى يكون المصحّح للجمع بين الروايات هو ان لا يلزم من نتيجة الجمع محذور عقلي، فلو كان يلزم من نتيجة الجمع بين الروايتين نسبة الظلم الى اللّه تعالى فهذا الجمع غير ممكن فلا يكون أولى من الطرح، و هكذا لو كان يلزم من نتيجة الجمع التعبّد بالمتناقضين أو بالضدّين فإنّ الجمع غير ممكن فلا يكون أولى من الطرح. و من هنا لو وردت روايتان، إحداهما تحرّم أكل لحم الأرنب و الاخرى تحلّله فإنّ الجمع بين هاتين الروايتين بالقول انّ لحم الأرنب حرام شرعا و حلال شرعا غير ممكن، نعم لو جمعنا بينهما بحمل الاولى على الكراهة و الاخرى على الاباحة فإنّ‌ هذا الجمع لا يلزم منه محذور عقلي، و لذلك يكون أولى من الطرح. و من هنا قالوا في مقام الجواب على الجمع العملي بناء على الاحتمال الاول و هو العمل ببعض مدلول الخبر الاول و العمل ببعض مدلول الخبر الثاني بأنّه مستحيل، و ذلك لاستلزامه الترخيص في المخالفة القطعيّة، و الترخيص في المخالفة القطعيّة مستحيل وقوعا. فلو قال المولى «أكرم كلّ العلماء» و قال: «لا تكرم كلّ العلماء» و كان مقتضى الجمع هو العمل ببعض مدلول الخبر الاول و ببعض مدلول الخبر الثاني لكان ذلك معناه الترخيص في المخالفة القطعيّة، و ذلك لأنّ الواقع لا يخلو إمّا أن يكون مدلول الخبر الاول أو يكون مدلول الخبر الثاني، و على كلّ تقدير تحصل المخالفة لجزء الواقع. هذا ما يمكن ان يقرّب به إشكال القائلين بالجمع الدلالي على الجمع العملي، و هو مخدوش كما هو واضح إلاّ انّه يعزّز دعوانا من ان المراد من الإمكان العقلي هو الإمكان الوقوعي. و أمّا المقصود من الإمكان العرفي فيحتمل معنيين: المعنى الاول: انّ المراد من الإمكان العرفي هو الإمكان العقلائي، بمعنى ان لا تتنافى نتيجة الجمع مع المتبنّيات العقلائيّة و ان كان متنافيا مع الضوابط المقرّرة عند أهل المحاورة، و بهذا تكون دائرة الجمع الممكن بناء على هذا المعنى أضيق من دائرة الجمع الممكن بناء على انّ المراد من الإمكان هو الإمكان العقلي، إذ ليس كلّ ممكن وقوعا يتناسب مع المتبنّيات العقلائيّة. مثلا: لو ورد خبر مفاده «لا تعمل بخبر الكاذب» و ورد خبر آخر مفاده «أعمل بخبر الكاذب» و جمعنا بينهما بهذا الجمع و هو جواز العمل بخبر الكاذب، فإنّ هذا الجمع و ان كان ممكنا وقوعا اذ لا يترتّب من تبنيه محذور عقلي إلاّ انّه غير متناسب مع المتبنيات العقلائيّة كما هو واضح. المعنى الثاني: انّ المراد من الإمكان العرفي هو التناسب مع الضوابط المعتمدة عند أهل المحاورة، فمتى ما كان الجمع متناسبا مع هذه الضوابط كان ممكنا، و عندئذ يكون أولى من الطرح، و متى كان الجمع منافيا لما عليه أهل المحاورة فهو غير ممكن، فلا يكون أولى من الطرح. و الظاهر انّ هذا هو المراد من الإمكان العرفي بنظر الوحيد البهبهاني رحمه اللّه، إذ هو المتناسب مع النقوضات التي نقض بها على مسلك الإمكان العقلي، من قبيل استلزامه فقها جديدا و استلزامه اطراح روايات العلاج للاخبار المتعارضة و القاضية بالتخيير أو الترجيح، إذ لو كان مراده من الإمكان العرفي هو الإمكان العقلائي لكان ما نقض به على مبنى الامكان العقلي صالحا لأن يكون نقضا على مبناه أيضا. إذ من الواضح انّ الجمع على أساس الإمكان العقلائي يستلزم أيضا اطراح روايات العلاج كما يستلزم أيضا استحداث فقه جديد، لوضوح انّ كثيرا من الجموعات المفترضة لا تتنافى مع المتبنّيات العقلائيّة، بمعنى عدم استيحاشهم من افتراضها إلاّ انّها تتنافى مع روايات العلاج، و مستلزمة لاستحداث فقه جديد. مثلا: لو ورد انّ الواجب في ظهر يوم الجمعة هو صلاة الظهر، و ورد خبر آخر مفاده انّ الواجب في ظهر يوم الجمعة هو صلاة الجمعة، و جمعنا بين هذين الخبرين بالقول انّ الواجب في ظهر يوم الجمعة هو صلاة الجمعة و الظهر معا. فإنّ هذا الجمع لا يكون متنافيا مع الإمكان العقلائي، إذ لا يستوحش العقلاء من ايجاب المولى على عبيده صلاتين في ظهر يوم الجمعة إلاّ انّ هذا الجمع منافيا لروايات العلاج و التي تقتضي في حالات التعارض المستقرّ - كما في المثال - إمّا التخيير أو الترجيح بمرجحات باب التعارض، كما انّ هذا النحو من الجمع يستلزم استحداث فقه جديد. و من هنا استظهرنا انّ مراد الوحيد البهبهاني رحمه اللّه من الإمكان العرفي هو تناسب الجمع مع الضوابط المعتمدة عند أهل المحاورة، و واضح انّ هذه الضوابط تقتضي عدم امكان الجمع في حالات التعارض المستقرّ. إلاّ انّ ما أفاده الوحيد البهبهاني ليس تفسيرا للإمكان في القاعدة، بمعنى انّه لا يدعي انّ مراد العلماء من الإمكان في القاعدة هو الإمكان العرفي، بل انّ غرضه بيان ما هو مقتضى التحقيق بنظره و انّه يستوجب حمل الإمكان في القاعدة على الإمكان العرفي لا العقلي بل و لا العقلائي كما أوضحنا ذلك. و إلاّ فمراد المشهور من الإمكان في القاعدة هو الإمكان العقلي كما وقع التصريح بذلك في بعض كلماتهم و كما يشعر به النقض الذي نقض به الوحيد رحمه اللّه عليهم. الجهة الثالثة: و يقع البحث فيها عما هو المراد من الاولويّة في القاعدة. فنقول: انّ للمراد من الاولويّة مجموعة من الاحتمالات: الاحتمال الاول: انّ المراد من الاولويّة هو اللزوم، بمعنى انّه إذا دار الأمر بين الطرح و بين الجمع الممكن فإنّه يلزم تقديم الجمع الممكن على الطرح، فلا يسوغ للفقيه طرح الروايتين أو احداهما إذا كان الجمع ممكنا. الاحتمال الثاني: انّ المراد من الاولوية هو الراجحيّة، بمعنى انّه اذا دار الأمر بين الطرح و بين الجمع الممكن فإنّ الفقيه مخيّر بينهما إلاّ انّ‌ الراجح له هو اختيار الجمع الممكن. الاحتمال الثالث: انّ الجمع اذا كان ممكنا بالإمكان العرفي فالاولوية بمعنى اللزوم، و إذا كان ممكنا بالإمكان العقلي فالاولويّة بمعنى الرجحان. الاحتمال الرابع: انّه اذا دار الأمر بين طرح كلا الروايتين و بين الجمع الممكن فالأولوية بمعنى اللزوم، أمّا اذا دار الأمر بين طرح احدى الروايتين و بين الجمع الممكن بينهما فالأولويّة بمعنى الرجحان. و الاحتمال الاول هو المتناسب مع مبنى الوحيد رحمه اللّه بعد بنائه على انّ المراد من الإمكان هو الإمكان العرفي بالمعنى الثاني، و هو لا يكون إلاّ في حالات التعارض البدوي و الذي يكون معه الجمع عرفيا، و قد قلنا بحجيّته أي بمنجزيته باعتباره الوسيلة الوحيدة لتنقيح الظهور التصديقي و الذي هو موضوع الحجيّة، فلا مناص للفقيه من اعتماده لتشخيص المراد من الخطابات الشرعيّة المتعارضة بنحو التعارض البدوي. و من هنا كان المراد من الاولويّة - بناء على هذا المبنى - هو اللزوم و ان كان ذلك منافيا للمدلول اللغوي للفظ الاولويّة إلاّ انّه لا مشاحة في الاصطلاح بعد معرفة المراد، و بهذا يتّضح انّ المراد من الجمع بناء على هذا المسلك هو الجمع الدلالي بنحو الاحتمال الثالث، و يمكن أن يراد الجمع العملي و لكن بنحو الاحتمال الثاني. و أمّا بناء على مسلك المشهور و انّ‌ المراد من الإمكان هو الإمكان العقلي فيحتمل انّ المراد من الاولوية هو اللزوم أيضا بل انّ ذلك هو المستوحى من طريقتهم و كذلك استيحاشهم من طرح الروايات المتعارضة. كما يحتمل إرادة المعنى الثالث للأولويّة و هي اللزوم في حالات الإمكان العرفي بالمعنى الثاني و الراجحيّة في حالات الإمكان العقلي، و هذا ما تشعره بعض كلماتهم إلاّ انّهم قالوا انّه في حالات الامكان العرفي لا تكون الروايات متعارضة أصلا لا بنحو التعارض المستقر و لا بنحو التعارض البدوي. و عليه يكون الاحتمال الثاني هو المتّبع عمليا إلاّ انّه مختصّ بحالات التعارض المستقرّ، فكلّما كان الجمع ممكنا بالإمكان العقلي فلا غضاضة على الفقيه في تقديمه على الطرح بل انّ‌ ذلك هو الراجح خصوصا إذا دار الأمر بين طرح كلا الروايتين و بين الجمع بينهما جمعا ممكنا. هذا تمام الكلام في شرح مفردات القاعدة. ثمّ انّ المتحصّل ممّا ذكرناه هو: انّه لو كان المراد من الجمع هو الجمع الدلالي و ان المتعين من احتمالاته هو الاوّل، و انّ المراد من الامكان هو الإمكان العقلي، و انّ الأولويّة بمعنى اللزوم يكون حاصل المراد من القاعدة هو لزوم التوفيق بين الروايات المتعارضة مطلقا بنحو لا يلزم من ذلك التوفيق محذور عقلي، و انّ الطرح حينئذ لا يكون سائغا، و حينئذ تكون القاعدة في عرض روايات العلاج و منافية لها، كما انّها منافية للأصل الأولي للتعارض و الذي هو التساقط أو التخيير، كما انّها مستلزمة لاستحداث فقه جديد، على انّها منافية لما عليه البناء العقلائي و العرفي في علاج الأدلّة المتعارضة، و هذا ما يوجب سقوط هذه القاعدة عن الحجيّة لو كان هذا هو المراد منها. و هكذا لو كان المراد من الجمع هو الجمع العملي، و كان المتعيّن هو الاحتمال الاوّل، و كان المراد من الإمكان هو الإمكان العقلي، و كانت الاولويّة بمعنى اللزوم أو حتى بمعنى الراجحيّة - في هذه الصورة و التي سبقتها. و بهذه الطريقة يمكن التعرّف على ما هو حاصل المراد من القاعدة، و ما هي قيمتها العمليّة، و حتى لا يتبرّم الطالب الكريم من الإطالة نوكل ذلك الى نباهته و نكتفي ببيان ما هو مناسب لمتبنيات الاصوليين فعلا. فنقول: انّ الذي ينبغي أن يكون المراد من الجمع هو الجمع الدلالي، و المتعيّن من احتمالاته هو الاحتمال الثالث، و انّ المراد من الاولويّة هو اللزوم، فيكون حاصل المراد من القاعدة هو لزوم التوفيق بين مدلولي الخبرين المتعارضين تعارضا بدويا بنحو يكون ذلك التوفيق متناسبا مع الضوابط المقرّرة عند أهل المحاورة، و بهذا يكون التعبير «بمهما أمكن» احترازا عن حالات التعارض المستقرّ و الذي لا يمكن معه الجمع بحسب الضوابط المعتمدة عند العرف، و من هنا تكون القاعدة مساوقة لقاعدة الجمع العرفي. *** / (المعجم الأصولي , ج1 , ص610)
قاعدة أولوية الجمع من الطرح
(- الجمع مهما أمكن أولى من الطرح) / (معجم مفردات أصول الفقه المقارن , ج1 , ص216)
أولوية الجمع من الطرح
Combination takes priority over giving up قاعدة تقضي بتقدّم الجمع بين الدليلين المتعارضين في الدلالة على طرحهما و إسقاطهما. / (معجم مفردات أصول الفقه المقارن , ج1 , ص94)
طرح
-المراد من الجمع الذي هو أولى من الطرح هو الجمع في الدلالة،فإنه إذا كان الجمع بينهما في الدلالة ممكنا تلاءما فيرتفع التعارض بينهما فلا يتكاذبان.و تشمل القاعدة بحسب ذلك صورة تعادل المتعارضين في السند،و صورة ما إذا كانت لأحدهما مزية تقتضي ترجيحه في السند،لأنه في الصورة الثانية بتقديم ذي المزية يلزم طرح الآخر مع فرض إمكان الجمع. و عليه،فمقتضى القاعدة مع إمكان الجمع عدم جواز طرحهما معا على القول بالتساقط،و عدم طرح أحدهما غير المعيّن على القول بالتخيير، و عدم طرح أحدهما المعيّن غير ذي المزية مع الترجيح(مظ،مصف 1،201،2) / (موسوعة مصطلحات أصول الفقه عند المسلمین , ج1 , ص870)
الجمع أولى من الطّرح
قاعدة أصوليّة لدى الإماميّة. و المراد بالجمع الجمع بين المتعارضين في الدّلالة. و هو المسمّى «الجمع الدّلالتيّ‌» أو «العرفي». و الطرح ترك إعمال أحد الدليلين أو كليهما. / (معجم مصطلح الأصول , ج1 , ص108)
(- الجمع مهما أمكن أولى من الطرح) / (معجم مفردات أصول الفقه المقارن , ج1 , ص123)