و هو استيعاب يثبت لجميع أحوال المعنى، كما في قولنا: (أكرم محمدا)، فيشمل الحكم جميع أحوال محمد. * في صحيحة الفضيل و زرارة قالا: قلنا له: الصلاة في جماعة فريضة هي، فقال: «الصلاة فريضة، و ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها، و لكنها سنة، من تركها رغبة عنها و عن جماعة المؤمنين من غير علة فلا صلاة له». و يمكن أن يستدل بأن قوله (ع) بمثابة أن يقال: «الجماعة سنة في الصلوات كلها»، فتكون الصحيحة دالة على أن الجماعة سنة في جميع الفرائض و منها القضاء، بل يمكن أن يستدل أن الصلاة جماعة مشروعة مع اختلاف الكيفية فيصلى صلاة الظهر بالإمام في صلاة الآيات أو العيدين، و ذلك بدعوى التمسك بالإطلاق الاحوالي. و لكن يرد عليه: أن التمسك بالإطلاق الاحوالي إنما يكون وجيها مع فرض الاتحاد في الصلوات في النظم و عدم الاختلاف في الكيفية، كما في الائتمام في الأداء بالقضاء، و أما مع عدم الاتحاد كما هو في المقام و لا سيما مع الاختلاف الفاحش في الكيفية فالإطلاق غير ناظر إليه يقينا. ** وقع النزاع بين الفقهاء في حكم البخار الحاصل من الماء المتنجس الأصلي بعد تحوله إلى ماء، إذ ذكر بعض الفقهاء أن هذا الماء بعد فرض مغايرته للماء المتنجس الأصلي عرفا، لا يمكن إجراء استصحاب النجاسة فيه، بل يرجع إلى قاعدة الطهارة. و يمكن أن يقال: إنّا إذا فرضنا أن البخار حقيقة نوعية مغايرة للماء المتبخر عرفا، فلا محالة يكون البخار المتحول إلى الماء فردا جديدا من الماء غير الفرد السابق من الماء الذي تحول إلى بخار، و في هذه الحالة لا حاجة إلى قاعدة الطهارة، بل نرجع في إثبات طهارة هذا الفرد الجديد من الماء إلى الأدلة الاجتهادية، أي إلى الاطلاقات الدالة على طهارة الماء - على القول بوجودها - لأن الشك في طهارة الفرد الجديد من الماء هو في الحقيقة شك في تخصيص زائد لتلك الاطلاقات، و ليس شبهة مصداقية. و بكلمة أخرى: يوجد ماءان: أحدهما الماء المتنجس المتبخر، و الآخر الماء المتحول إليه ذلك البخار، و الاطلاقات تشمل كلا الماءين في نفسها، و لكن الأول خرج بدليل انفعال الماء بالملاقاة، و أما الثاني فلا موجب لخروجه، فيتمسك بنفس الاطلاقات لإثبات طهارته. هذا كله على فرض الالتزام بأن البخار حقيقة نوعية مغايرة عرفا للماء كما أشرنا إليه. و أما لو قيل بأن البخار ليس حقيقة نوعية مغايرة، و إنما هو نفس الأجزاء المائية، غاية الأمر أن هذه الأجزاء لشدة صغرها و تشتتها خرجت عرفا عن القابلية للحكم بالنجاسة عليها، و تحول البخار إلى ماء معناه تجمع تلك الأجزاء الصغيرة مرة أخرى. و لو قيل بهذا فالماء المتكون من البخار نفس الماء السابق الذي تحول إلى البخار، فهناك ماء واحد دقّت أجزاؤه و تشتت ثم تجمعت، من قبيل ما إذا استهلك المتنجس في المعتصم ثم أمكن استخراجه و عزل تمام أجزائه و تجميعها مرة أخرى. و المرجع عندئذ هو نفس الإطلاق في دليل انفعال الماء بالملاقاة، إذ بعد فرض أن هذا الماء هو نفس ذلك الماء الذي حكم بانفعاله قبل التبخر بدليل الانفعال، فيشمله الإطلاق الأحوالي لدليل الانفعال، إذا كان فيه إطلاق أحوالي، و إذا لم يكن فيه إطلاق أحوالي - كما لو فرض أن دليل الانفعال كان دليلا لبيا و كان القدر المتيقن منه انفعال الماء قبل التبخر - فإن كان في الأدلة الاجتهادية الدالة على طهارة الماء إطلاق أحوالي، فيقال: إن المرجع هو إطلاقها الاحوالي، لأن الخروج عنها إنما يكون بمقدار القدر المتيقن من الدليل اللبي على الانفعال، و فيما زاد عليه يرجع إلى الاطلاق الاحوالي لتلك الأدلة الاجتهادية الدالة على طهارة الماء. و إذا فرضنا عدم الاطلاق في دليل الانفعال و عدم الاطلاق الأحوالي فالماء المتنجس بعد رجوعه إلى المائية غير مشمول لكل من الدليلين، فتصل النوبة إلى الأصل العملي، و يقع البحث في كونه الاستصحاب أو أصالة الطهارة. / (الدلیل الفقهي , ج1 , ص69)