العلّة القياسيّة

العلّة القياسيّة در اصطلاح

العلة القياسية
و هي العلة التي لم يرد بها دليل شرعي، و لكن ورد النص الشرعي بمثلها عينا و جنسا. و هي العلة التي تؤخذ بالقياس، إذ تقاس العلة التي لم يرد بها دليل شرعي على العلة التي ورد بها النص الشرعي، لأنّ وجه التعليل فيها قد ورد به النصّ الشرعي، إلا أنه يشترط في العلة التي يقاس عليها أن تكون مأخوذة من نص مفهم أنه للتعليل، و مفهم وجه العلية فيه، حتى يكون وجه العلية قد ورد فيه النص، و ذلك حتى تعتبر أنها مما جاء به الوحي. فتكون قد ورد الوحي بوجه العلية، و هو الذي جعلها تقاس على العلة التي جاء بها الوحي، و جاء بوجه العلية فيها. و هذه هي الحالة الوحيدة التي يجوز فيها قياس علة على علة، و ما عداها فلا يصح إطلاقا، إذ إن قياس علة على علة هو كقياس حكم لم يرد له دليل شرعي على حكم ورد له دليل شرعي، فكما أنه لا يجوز قياس حكم على حكم إلا إذا كان الحكم المقيس عليه معلّلا بعلة شرعية دل عليه الشرع، و لا يجوز قياس حكم على حكم لمجرد المشابهة بين الوظيفتين، فكذلك قياس علة على علة إلا إذا بيّن الشرع وجه العلية، أي: ورد الشرع بوجه العلية، فلا يجوز بناء المسألة في قياس العلة على مجرّد الشّبه بين علتين، و من ثم فلا يكون هذا القياس إلا في الوصف المفهم أنه للتعليل، و لوجه العلية فيه. و قياس العلة لا بد من تبيان وجه التعليل في العلة إما من الشارع، و إما من مدلول اللغة؛ فإذا وجد في العلة بيان وجه العلية من قبل الشرع، بأن كان النص قد ورد فيه وجه العلية باعتباره دليلا على العلة فهذا يجوز فيه القياس. و بالاستقراء لا يوجد ذلك إلا في حالة واحدة، و هي ما ذكرناه من شرط التعليل فلا يرد القياس في العلة المستنبطة، و لا في العلة المأخوذة من وصف غير مفهم و لا في الاسم الجامد لأنه ليس بوصف و لا يتضمن معنى العلية. و مثال الوصف الذي ذكره الشارع مع الحكم، و كان لفظه مفهما بحسب وضع اللغة، وجه العلية فيه قوله عليه السلام: «لا يقضي القاضي و هو غضبان» فالغضب علة النهي عن القضاء، فهو علة مانعة من القضاء. و لفظ «الغضب» يفهم منه أن كونه غضبا كان علة للنهي عن القضاء. و الذي جعله علة هو ما فيه من تشويش الفكر و اضطراب الحال، كالجوع، مثلا، فلا يقضي القاضي و هو جوعان. فالغضب هو العلة التي اتخذت أصلا للقياس عليها. و بالتدقيق فيها يتبين أنها وصف مناسب يفهم السبب الذي جعله علة، أي: هي وصف مفهم أنه للتعليل و مفهم وجه العلية فيه، و لذلك صح القياس عليها. و بهذا نخلص إلى أن شروط العلة التي اتّخذت أصلا للقياس هي ثلاثة: الأول: أن تكون وصفا لا اسما جامدا، و الثاني: أن تكون وصفا مفهما، أي: دالاّ على معنى آخر غير دلالة اللفظ، أي: دالاّ على أنه للتعليل؛ و الثالث: أن يكون الوصف دالاّ على وجه العلية. و لذلك لا يدخل التعليل الألفاظ الجامدة مطلقا. و عليه فإن قوله عليه السلام: «الذهب بالذهب مثلا بمثل، و الفضة بالفضة مثلا بمثل، و التمر بالتمر مثلا بمثل، و البرّ بالبر مثلا بمثل، و الملح بالملح مثلا بمثل، و الشعير بالشعير مثلا بمثل، فمن زاد أو ازداد فقد أربى» هذا الحديث لا يعلّل ما جاء فيه مطلقا، لأن هذه الأشياء ألفاظ جامدة، و ليست وصفا، فلا تشعر بالعلية، و لا يفهم منها التعليل لا لغة و لا شرعا. فينحصر تحريم الربا بهذه الأشياء الستة، و تكون الأموال الرّبوية محصورة في هذه الستة فحسب. فلا يقال: «حرّم الرّبا في الذهب، لأنه موزون، أو لأنه معدن نفيس» فتجعل علة تحريم الربا فيه كونه ذهبا أو فضة، و يجعل وجه العلية فيه كونه موزون جنس، أو كونه معدنا نفيسا. فكلمة «الذهب» و «الفضة» اسم جامد، و ليس وصفا، فلا يصح أن يكون علة مطلقا، فلا يقاس عليه. و هو، أيضا، لا يتضمن أي تعليل، و لا يدل على جهة العلية فيه، فلا يقاس على علته. فلا قياس حكم، لأنه ليس علة، و لا قياس علة، لأنه كذلك، و لأنه لا دلالة فيه على وجه العلية. و كذلك لا يقال: «حرّم الرّبا في الحنطة و الشعير و التمر و الملح، لأنه مكيل» فتجعل علة التحريم فيه كونه حنطة أو شعيرا أو ملحا، و يجعل وجه العلية فيه كونه مكيل جنس، أو كونه طعاما. فكلمة «الحنطة، الشعير، التمر، الملح» أسماء جامدة و ليست أوصافا. فلا يصح أن تكون علة مطلقا، إذ لا يقاس عليها. و هي، أيضا، لا تتضمن أيّ تعليل، و لا تدل على وجه العلية فيها، فلا يقاس عليها، فهي لا يقاس عليها قياس حكم لأنها ليست علة، و لا قياس علة لذلك و لأنها لا تدل على وجه العلية. و لا يقال: «إن العلة فيه هي الزيادة، و هي تتحقق في كل جنس من الأجناس، فيحرم تبادل جنس واحد مطلقا، أي: مطلق جنس يحرم لوجود الزيادة» لا يقال هذا لأن قوله في الحديث: «مثلا بمثل» هو وصف و ليس علة للتحريم، و لا يمكن أن يفهم منه كونه علة لا لغة و لا شرعا، فلذلك يبقى الحكم مسلّطا على اللفظ الجامد. و لذا قال في نهاية الحديث: «فمن زاد أو ازداد فقد أربى» أي: من زاد أو ازداد في هذه الأشياء المنصوص عنها. فالزيادة محصورة في هذه الأشياء للنص عليها؛ و لأن قوله: «مثلا بمثل» و «فمن زاد أو ازداد فقد أربى» جاء وصفا لهذه الأشياء الستة، و لذلك كرّر هذا الوصف مع كل واحد منها حتى تتحقق فيه الوصفية، و أكد بقوله: «فمن زاد أو ازداد فقد أربى» و من هنا لا يعتبر تبادل الجواهر النفيسة كالماس و الجوهر و نحوه ربا و لو زاد أو ازداد لعدم النص عليه. و عليه فلا ربا في الزيتون و لا في البصل أو الليمون أو التفاح أو الحديد أو النحاس أو التراب أو الإسمنت أو غير ذلك لعدم النص عليه. و هكذا كل وصف غير مفهم لا يتّخذ أصلا للقياس. و بناء على ذلك كله فقياس العلة محصور بالعلة التي تثبت بالوصف المفهم ليس غير. / (معجم مصطلح الأصول , ج1 , ص217)