أوّلاً - التعريف: الإفلات لغة: مصدر أفلت بمعنى تخلّص، و يقال: أفلت فلان فلاناً، إذا خلّصه. و التفلّت و الإفلات و الانفلات بمعنى واحد، و هو التخلّص من الشيء فجأة من غير تمكّث. و الفلتة: الأمر الذي يقع من غير إحكام، يقال: كان ذلك الأمر فلتة، أي مفاجأة . و استعمله الفقهاء في نفس المعنى اللغوي. ثانياً - الألفاظ ذات الصلة: 1 - الإطلاق: و هو لغة بمعنى التخلية و الحلّ و الإرسال ، و عند الفقهاء: الإطلاق استعمال اللفظ في معناه، حقيقة كان أو مجازاً.و كذا بمعنى عدم التقييد. و المطلق: ما دلّ على فرد شائع، أو ما دلّ على الماهيّة بلا قيد. و الفرق بينه و بين الإفلات أنّه يكون في الكلام مقابل التقييد، و الإفلات يكون في الأعيان الخارجية. 2 - الفرار: و هو الهرب، يقال: فرّ من الحرب فراراً، أي هرب ، قال اللّٰه سبحانه و تعالى: «فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعٰائِي إِلاّٰ فِرٰاراً» . ثالثاً - الحكم الإجمالي و مواطن البحث: تعرّض الفقهاء إلى الأحكام المرتبطة بالإفلات في أبواب مختلفة من الفقه نذكرها إجمالاً مع إحالة تفصيلها إلى محالّه. 1 - قطع الصلاة لإمساك دابّة انفلتت: المعروف بين الفقهاء تحريم قطع الصلاة اختياراً، و جوازه مع الضرورة ، و عدّ من الضرورة قبض الغريم و إمساك الدابّة إذا انفلتت، و هو ممّا لا خلاف فيه ، فله أن يقطع الصلاة و يستوثق من ذلك ثمّ يستأنفها لئلّا يلحقه الضرر، و للروايات التي منها: ما رواه سماعة قال: سألته عن الرجل يكون قائماً في الصلاة الفريضة فينسى كيسه أو متاعاً يتخوّف ضيعته أو هلاكه؟ قال: «يقطع صلاته و يحرز متاعه ثمّ يستقبل الصلاة»، قلت: فيكون في الصلاة الفريضة فتفلت عليه دابته فيخاف أن تذهب أو يصيب منها عنتاً؟ فقال: «لا بأس بأن يقطع صلاته و يتحرّز و يعود إلى صلاته» . (انظر: قواطع الصلاة) 2 - انفلات الأسير من يد المشركين: ذكر بعض الفقهاء بأنّ الأسير إذا انفلت من يد المشركين و لحق بالمسلمين قبل انقضاء القتال و حيازة المال فحضر الوقعة و شهد القتال أُسهم له، و إن لحق بعد انقضاء القتال و بعد حيازة الغنيمة أُسهم له ما لم تقسّم الغنيمة إجماعاً . و قال العلّامة الحلّي: «و الأقرب عندي أنّ الأسير إن لحق المسلمين طلباً للمعاونة استحقّ السهم إذا لحق قبل القسمة، و إن لحق بهم للاحتفاظ لا للمقاتلة لم يستحقّ شيئاً؛ لنا: أنّه ليس بمجاهد و لا حضر للجهاد» . (انظر: أسير) 3 - انفلات المكاتب من يد المشركين: ذكر بعض الفقهاء أنّه لو كاتب المسلم عبداً ثمّ ظهر المشركون على الدار فأسروا المكاتب و حملوه إلى دار الحرب، فإنّهم لا يملكونه بذلك؛ لأنّ حقّ المسلم قد تعلّق به، فلو انفلت منهم أو ظهر المسلمون على الدار فأخذوه، فهو على كتابته. و هكذا لو دخل الكافر في دار الإسلام بأمان فكاتب عبداً له، ثمّ ظهر المشركون على الدار فقهروا المكاتب على نفسه و أخذوه إلى دار الحرب، ثمّ انفلت منهم، أو غلبهم المسلمون عليه، فإنّه يكون على كتابته. و يجب عليه أن يخلّيه تلك المدّة التي حبسه فيها المشركون ليكتسب فيها . و قيل لا يجب؛ لأنّ التعدّي من غيره . (انظر: مكاتبة) 4 - إفلات الطائر من يد البائع: إذا تلف المبيع بآفة سماوية أو أرضية قبل قبض المشتري انفسخ عقد البيع و رجع كلّ من المالين إلى ملك مالكه الأوّل، و كذلك الحكم فيما إذا تعذّر الوصول إلى المال المبيع قبل قبضه من البائع، كما إذا سرقه سارق أو أفلت الطائر و لا يمكن العثور عليه، فينفسخ البيع و يكون في حكم التلف من مال البائع . و هذا ما يعبّرون عنه أحياناً بقاعدة: (تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه)، و حيث إنّ إفلات مثل الطائر يكون بمثابة التلف عرفاً فيكون مشمولاً لهذه القاعدة أيضاً. (انظر: مثمن) 5 - إفلات الصيد من يد الصائد: ذكر الفقهاء أنّه إذا اُخذ الحيوان بنصب شبكة أو إغلاق الباب و حبسه في البيت أو إرسال الكلب إليه، ثمّ أفلت منه، فإن كان ذلك قبل استحكام الحبس بحيث لا يصدق معه الأخذ للحيوان و حيازته، فالحيوان باق على إباحته الأصليّة و لم يملكه الآخذ. بخلاف ما إذا كان بعد استحكام الحبس و صدق الأخذ، بحيث تحقّق منه استيلاؤه على الحيوان و تملّكه إيّاه كما إذا قبض عليه حتى تعب فضعف عن امساكه و أفلت، و كما إذا أغلق عليه الباب ثمّ فتحها شخص ففرّ الحيوان و نحو ذلك. و حينئذٍ يبقى الحيوان في ملك الآخذ، و لا يجوز لغيره صيده أو قتله إلّا أن يأذن في ذلك أو يتحقّق منه الإعراض عنه و لو بسبب الإفلات ؛ لاستصحاب بقاء الملكيّة بعد الثبوت في الشبكة؛ لفرض تحقّق الملكيّة ثمّ زوالها بالعوارض الخارجية، كما لو أخذ الصيد بيده ثمّ اُزيلت يده عنه لجهة من الجهات . (انظر: صيد) 6 - إفلات كلب الصيد من يد صاحبه: ذكر الفقهاء أنّه يشترط في الصيد أن يرسل الكلب للاصطياد، فيكون الصيد و القتل بإرساله لذلك، فلو استرسل بنفسه من دون إرسال، أو أفلت الكلب من يد صاحبه فلا يحلّ لحم صيده ، بلا خلاف فيه . بل ادّعي الإجماع عليه . و كذا الحكم فيما إذا أفلت السهم أو السلاح من يده فأصاب حيواناً، فلا يحلّ ذلك الحيوان المقتول . و استدلّ له برواية قاسم بن سليمان، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن كلب أفلت و لم يرسله صاحبه، فصاد، فأدركه صاحبه و قد قتله، أ يأكل منه؟ فقال: «لا...» . (انظر: ذباحة) 7 - ذبح الحيوان بعد انفلاته: لو انفلت الطير أو غيره من الإبل و البقر و الغنم جاز رميه بالنشّاب أو الرمح أو السيف، فإذا سقط و أدرك ذكاته ذبحه أو نحره، و إلّا حلّ كالحيوان الممتنع بالأصالة؛ لدخولها في الصيد حينئذٍ . و قد دلّ على حكمه بخصوصه رواية حمران بن أعين عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سألته عن الذبح؟ فقال: «إذا ذبحت فأرسل و لا تكتف - إلى أن قال: - و إن أفلتك شيء من الطير و أنت تريد ذبحه، أو ندّ عليك فارمه بسهمك، فإذا هو سقط فذكّه بمنزلة الصيد» . (انظر: ذباحة) 8 - جناية الدابّة الصائلة إذا انفلتت: ذكر الفقهاء أنّه يجب حفظ الدابّة الصائلة، كالبعير المغتلم و الكلب العقور، فلو أهملها صاحبها و لم يحفظها و جنت على شخص ضمن جنايتها، و لو جهل حالها أو علم و أفلتت من يده و لم يقدر على حفظها، فلا ضمان عليه ، بلا خلاف ظاهر؛ لانصراف إطلاق الروايات عن الصورة التي لا تقصير للمالك فيها أصلاً . و تدلّ على ذلك معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: «قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم: البئر جُبار ، و العجماء جبار، و المعدن جبار» . و مرسل الحلبي عن أبي جعفر عليه السلام قال: «بعث رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم عليّاً عليه السلام إلى اليمن، فأفلت فرس لرجل من أهل اليمن و مرّ يعدو، فمرّ برجل فنفحه برجله فقتله، فجاء أولياء المقتول إلى الرجل فأخذوه فرفعوه إلى علي عليه السلام فأقام صاحب الفرس البيّنة عند علي عليه السلام أنّ فرسه أفلت من داره و نفح الرجل، فأبطل علي عليه السلام دم صاحبهم، فجاء أولياء المقتول من اليمن إلى رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم فقالوا: يا رسول اللّٰه، إنّ عليّاً ظلمنا و أبطل دم صاحبنا، فقال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم: إنّ عليّاً ليس بظلّام و لم يخلق للظلم، إنّ الولاية لعلي من بعدي، و الحكم حكمه، و القول قوله، لا يردّ حكمه و قوله و ولايته إلّا كافر...» . 9 - ادّعاء أحد المتنازعين انفلات الدابّة من يده: قال السيد اليزدي: «لو صاد شخص حيواناً وحشيّاً - كغزال أو طائر أو سمكة - فادّعى آخر أنّه كان له و أنّه صاده ثمّ انفلت من يده، و لم يكن له معارض، فهل يحكم له أو لا؟ وجهان: من اختصاص القاعدة في ظاهر كلماتهم بما يكون مملوكية معلومة، و في الفرض يحتمل كونه من المباحات. و من شمول صحيحة البزنطي له حيث قال: «و إن جاءك طالب لا تتّهمه ردّه عليه» بناءً على عدم حمله على صورة العلم بكونه له» . 10 - من أفلت من لسانه القذف بغير قصد: ذكر الفقهاء أنّه لا حدّ على من أفلت منه القذف بغير قصد، أو كان غافلاً أو ساهياً أو نائماً؛ لرواية عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سألته عن رجل قال لامرأته: يا زانية، قال: «يجلد حدّاً و يفرّق بينهما بعد ما يجلد و لا تكون امرأته»، قال: «و إن كان قال كلاماً أفلت منه من غير أن يعلم شيئاً أراد أن يغيظها به، فلا يفرّق بينهما» . و لعلّ هذا الحكم ممّا يمكن تخريجه على القاعدة في باب الحدود من حيث عدم وجود قصد إلى الفعل، بل صدر منه عن غفلةٍ أو حال النوم، بل إنّه إذا كان قال كلاماً قاصداً معناه لكنه لم يرد مدلوله الجدي و إنّما أراد إغضاب الآخر و مع ذلك لا يحكم بالقذف بمقتضى الرواية فبطريق أولى لا يحكم بالقذف في مورد عدم القصد من رأس لغفلةٍ أو سهو أو نوم. نعم، هذا الحكم يكون بينه و بين اللّٰه، أمّا الحاكم فعليه مراجعة الأدلّة من ظاهر الحال و غيره لتشخيص وضع المهم. (انظر: قذف) / (موسوعة الفقه الإسلامي طبقا لمذهب أهل البیت علیهم السلام , ج15 , ص348)